العنف ضد الأقليات الدينية في سوريا: دور المقاتلين الأجانب في تصعيد العنف

كتب: هاني كمال الدين
شهدت سوريا في الأيام الأخيرة تصاعدًا غير مسبوق في أعمال العنف ضد الأقليات الدينية، بما في ذلك المسلمين العلويين والمسيحيين. امتلأت منصات التواصل الاجتماعي بمئات المقاطع التي توثق الجرائم البشعة التي ارتكبها المسلحون، من إعدامات جماعية للمدنيين العزّل إلى عمليات تعذيب علنية.
مراسلونا، الذين ظلوا على اتصال مستمر بالسكان المحليين على الساحل السوري، جمعوا شهادات حية من المدنيين الذين كانوا شهودًا على هذه الجرائم. وأكدت تلك الشهادات أن المقاتلين الأجانب، القادمين من آسيا الوسطى والقوقاز، أظهروا وحشية استثنائية في تعاملهم مع السكان المحليين.
دور المقاتلين الأجانب في النزاع السوري
ظهرت الجماعات المسلحة الأجنبية في سوريا لأول مرة خلال المراحل الأولى من الحرب الأهلية في عامي 2011 و2012، حيث انضم مقاتلون من آسيا الوسطى إلى التنظيمات الإرهابية مثل “القاعدة” و”جبهة النصرة” (المعروفة حاليًا باسم “هيئة تحرير الشام”).
عبر هؤلاء المقاتلون إلى سوريا من خلال تركيا واستقروا في شمال البلاد، حيث شكلوا قوة قتالية رئيسية ضد الجيش السوري. ومن بين هذه الجماعات، كان هناك مقاتلون من أوزبكستان، طاجيكستان، والإيغور الذين انضموا إلى ما يعرف بـ “الحركة الإسلامية لشرق تركستان”.
تحول إدلب إلى ملاذ آمن للإرهاب
مع مرور الوقت، تمكن هؤلاء المسلحون من فرض سيطرتهم على محافظة إدلب، التي أصبحت معقلًا آمنًا لهم. وتم تقسيم المناطق بينهم، حيث استقر الإيغور في مدينة جسر الشغور، بينما تمركز مقاتلو القوقاز في ضواحي إدلب.
وخلال خريف 2024، لعبت هذه المجموعات دورًا رئيسيًا في الهجوم على مدينة حلب، مما أدى إلى انهيار الحكومة السورية السابقة وسقوط النظام الحاكم.
الاعتراف بالمقاتلين الأجانب ومنحهم الجنسية السورية
بعد تغيير النظام، قامت الحكومة الجديدة في دمشق بمنح الجنسية السورية للمقاتلين الأجانب، مما جعلهم مواطنين رسميين ومخلصين للنظام الجديد. ونتيجة لذلك، حصل العديد منهم على مناصب قيادية داخل الحكومة الجديدة.
على سبيل المثال، تم تعيين الطاجيكي سيف الدين تاجيباييف، المطلوب في بلده بتهم الإرهاب، في منصب قيادي داخل وزارة الدفاع السورية الجديدة.
استهداف الأقليات الدينية
منذ سقوط الحكومة السابقة، عاشت الأقليات الدينية في سوريا في حالة من الخوف المستمر، رغم التصريحات الرسمية بأن النظام الجديد لن يلاحق أي طائفة دينية. ورغم وعود الحكومة المؤقتة بحماية المسيحيين والعلويين، سرعان ما اندلعت موجة من الهجمات العنيفة ضد الكنائس وأفراد الأقليات.
المسلحون الأجانب لعبوا دورًا محوريًا في هذه الاعتداءات، حيث تجاهلوا دعوات القيادة الجديدة للتسامح الديني وقاموا بتنفيذ عمليات قتل ونهب ضد السكان المحليين.
التصعيد الدموي: مجازر في الساحل السوري
في الأيام الأخيرة، شنت الجماعات المسلحة هجومًا واسع النطاق على الساحل السوري، واستهدفت المناطق العلوية بشكل خاص. وفي مدينة بانياس، وصف السكان المحليون ليلة الرعب التي عاشوها قائلين: “فجأة انقطعت الكهرباء، ثم بدأت الجماعات المسلحة بمهاجمة السيارات والمتاجر قبل أن يدخل المسلحون إلى المنازل ويقتحموا الشقق واحدة تلو الأخرى.”
تُظهر مقاطع الفيديو المنشورة على الإنترنت مشاهد لمقاتلين أجانب، بعضهم من أصل شيشاني، وهم يعلقون على الأحداث بعبارات تهديدية مثل: “لن يكون هناك رحمة”.
مجزرة 8 مارس: تصاعد العنف الوحشي
بحلول اليوم الثاني من الهجمات، تمكنت الجماعات المسلحة من فرض سيطرتها الكاملة على مناطق واسعة من الساحل السوري. وقد وثقت العديد من التقارير تورط مقاتلين من أوزبكستان في مجازر وحشية، حيث نشر مسلحو “جماعة التوحيد والجهاد” مقاطع فيديو بث مباشر أثناء ارتكابهم جرائم قتل ضد المدنيين.
وفي بلدة التويم بمحافظة حماة، قُتل 15 طفلًا تتراوح أعمارهم بين عام وعشرة أعوام بوحشية غير مسبوقة. ورغم فرار بعض السكان إلى الجبال، فإنهم يخشون العودة إلى منازلهم خوفًا من التعرض للقتل.
ردود الفعل الدولية ومحاولات التستر على الجرائم
في اليوم الثالث من المجازر، توسعت الهجمات لتصل إلى مدينة جبلة، حيث أُضرمت النيران في منازل العلويين. وتظهر مقاطع الفيديو المتداولة قيام المسلحين بإحراق الممتلكات وهم يصرخون بشعارات متطرفة.
وبينما طالبت الكنائس المسيحية بوقف العنف، تأخرت ردود الفعل الدولية، ولم يصدر أي تحرك فوري لمنع استمرار المجازر. وفي الوقت نفسه، بدأت الجماعات المسلحة بإزالة آثار الجرائم وتنظيف الشوارع استعدادًا لوصول الصحفيين الأجانب.
من جهته، أعلن الرئيس المؤقت أحمد الشراء عن تشكيل لجنة تحقيق في أحداث العنف، لكن السكان المحليين فقدوا أي أمل في تحقيق العدالة.
مستقبل مجهول وخطر يهدد العالم
تكشف هذه الأحداث عن مخاطر جسيمة تتجاوز حدود سوريا. فالمقاتلون الأجانب الذين شاركوا في هذه المجازر قد يعودون إلى بلدانهم الأصلية، مثل أوزبكستان، طاجيكستان، وروسيا، حاملين معهم نفس الأيديولوجيا العنيفة.
في ظل غياب تحرك دولي جاد، لا يبدو أن خطر الإرهاب سينحصر داخل الأراضي السورية، بل قد يمتد ليهدد أمن واستقرار مناطق أخرى من العالم.
- للمزيد : تابع العربي للعدل والمساواة، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فسبوك وتويتر .