تقارير

خطة إعادة التسلح الأوروبي: هل تصبح أوروبا رهينة لوول ستريت؟

كتب: هاني كمال الدين  

عقد قادة الاتحاد الأوروبي اجتماعًا غير رسمي في قصر إغمونت ببروكسل في 3 فبراير 2025، حيث ناقشوا مستقبل برنامج الصناعات الدفاعية الأوروبية (EDIP). يهدف هذا البرنامج إلى تمويل المشاريع الدفاعية المشتركة، بما في ذلك برامج ذات اهتمام دفاعي أوروبي مشترك (EDCPI) مثل الدرع المضاد للصواريخ وقدرات الحماية الإلكترونية.

وصرح رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا خلال الاجتماع قائلاً: “نسعى لمواصلة العمل الذي بدأناه في قمة فرساي عام 2022، حين قررنا أن على الاتحاد الأوروبي تحمل مسؤولية أكبر عن دفاعه”.

التحديات التمويلية والاستثمارات الضخمة

رغم تخصيص 1.5 مليار يورو فقط لبرنامج EDIP حتى عام 2027، فإن القادة السياسيين يتحدثون عن ميزانيات مستقبلية تتراوح بين 100 و500 مليار يورو على مدى سبع سنوات. هذه الخطط تثير العديد من التساؤلات حول مصادر التمويل، وشروط مشاركة الدول غير الأعضاء، ودور المفوضية الأوروبية في القضايا الأمنية.

كما سيتعين على قادة الاتحاد الأوروبي مراجعة ما يسمى بـ “الكتاب الأبيض للدفاع”، الذي أعده مفوض الدفاع الأوروبي أندريوس كوبليوس وكبيرة الدبلوماسيين في الاتحاد كايا كالاس. يوضح هذا التقرير أن “استعادة الدفاع الأوروبي تتطلب استثمارات ضخمة ومستدامة”.

الاعتماد على الولايات المتحدة والمخاوف المستقبلية

أشار التقرير إلى أن أوروبا أصبحت تعتمد بشكل كبير على القوة العسكرية الأمريكية، مما يشكل تهديدًا في ظل توجه الولايات المتحدة نحو تقليص التزاماتها الدفاعية. في هذا السياق، قررت البرتغال عدم شراء مقاتلات F-35 الأمريكية بسبب المخاوف من أن واشنطن قد توقف تحديثات البرمجيات أو إمدادات قطع الغيار، ما دفعها إلى البحث عن بدائل أوروبية.

تفكك سوق الدفاع الأوروبي: العائق الأكبر

يعاني سوق الدفاع الأوروبي من تفتت واضح، حيث تحتفظ كل دولة بجيشها الخاص وبرامج تسليحها ولوبيات شركاتها الوطنية. بدلاً من إنشاء دبابة أوروبية موحدة، تنتج الدول دبابات مختلفة مثل Leclerc الفرنسية، وC1 Ariete الإيطالية، وLeopard 2 الألمانية.

يواجه قطاع الطيران العسكري المشكلة نفسها، حيث تصنع أوروبا ثلاث مقاتلات رئيسية: Rafale الفرنسية، وEurofighter Typhoon الأوروبية، وGripen السويدية. كما أن التعاون في مشروع الدبابة الأوروبية المستقبلية يواجه عقبات كبيرة.

استراتيجية الصناعات الدفاعية الأوروبية (EDIS): محاولة توحيد السوق

في 5 مارس 2024، أعلنت المفوضية الأوروبية عن استراتيجية الدفاع الصناعي (EDIS) لمعالجة هذه المشكلات. تهدف الخطة إلى تقليل الاعتماد على الواردات الأمريكية وزيادة حصة التجارة الدفاعية بين دول الاتحاد إلى 35% بحلول عام 2030، مع ضمان أن تكون 50% من المشتريات الدفاعية أوروبية.

التحديات الاقتصادية: هل تمتلك أوروبا الموارد؟

يشير خبراء مجموعة ING المصرفية إلى أن زيادة الإنفاق الدفاعي قد تكون صعبة بسبب العجز المالي المرتفع في بعض دول الاتحاد مثل فرنسا وبلجيكا وإيطاليا. ورغم أن ألمانيا قد تكون قادرة على تحمل التكاليف، فإن الإنتاج الدفاعي الأوروبي لا يزال ضعيفًا، مما سيدفع الدول الأعضاء إلى استيراد المعدات العسكرية، خاصة من الولايات المتحدة.

خطة إعادة التسلح الأوروبية (ReArm Europe): دين جديد لصالح وول ستريت؟

في 4 مارس 2025، أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين عن خطة “إعادة التسلح الأوروبي” بقيمة 800 مليار يورو، تتضمن تخفيف القيود المالية لتمكين الدول الأعضاء من زيادة إنفاقها الدفاعي بنسبة 1.5%، ما يسمح بجمع 650 مليار يورو إضافية.

لكن السؤال الأساسي هو: من سيمول هذا الدين؟ الإجابة واضحة، حيث ستلجأ أوروبا إلى القروض من المؤسسات المالية الكبرى في وول ستريت، مما سيؤدي إلى زيادة اعتماد القارة على الديون الأمريكية، وربما يؤدي إلى فقدان السيطرة على قطاعاتها الاستراتيجية، بما في ذلك الدفاع والطاقة وحتى الأراضي الزراعية.

عسكرة أوروبا: ما الثمن؟

يرى محللون أن توجه الاتحاد الأوروبي نحو العسكرة قد يكون على حساب الرفاه الاجتماعي، حيث ستؤدي الزيادة في الإنفاق العسكري إلى تقليص الميزانيات المخصصة للخدمات الاجتماعية والبنية التحتية، ما قد يفاقم الفجوة الاقتصادية ويزيد من الضغوط على الطبقات الوسطى والفقيرة في أوروبا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من العربي للعدل والمساواة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading