هل تكسب أمريكا من رفع الرسوم الجمركية؟.. تحليل لقرار ترامب

في خطوة أثارت جدلًا عالميًا، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في كلمة ألقاها بالبيت الأبيض يوم الأربعاء الماضي في ما وصفه بـ”يوم التحرير”، فرض رسومًا جمركية على نحو 200 دولة ومنطقة اقتصادية حول العالم بنسب مختلفة تتراوح بين 10% و 49%، موضحًا أن من يتصل به من القادة للتفاوض بشأن التعريفات سوف يطلب منه شراء منتجات أمريكية ورفع القيود التجارية وعدم التلاعب بسعر صرف عملة بلاده.
وكرد فعل طبيعي على هذا قرار، أعلنت بعض الدول فرض رسومًا جمركية انتقامية ومضادة على الولايات المتحدة، منها الصين، التي فرض عليها ترامب تعريفات بقيمة 34% ومن المقرر أن تدخل حيز التنفيذ في 10 أبريل الجاري، قامت هى الأخرى بفرض رسومًا انتقامية بنسبة 34% على السلع الأمريكية. كما أعلن رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، أن بلاده ستفرض رسومًا مماثلة بنسبة 25%على الواردات الأمريكية.
لكن ما الفائدة التي تعود على الولايات المتحدة من زيادة الرسوم الجمركية؟
ذكر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أن هذا القرار من شأنه تعزيز الاقتصاد الأمريكي وحماية الوظائف، مشيرًا إلى أن الاستثمارات تجاوزت حتى الآن 5 تريليونات دولار والرقم في ازدياد متسارع. ومع ذلك، يحذر العديد من الاقتصاديين من أن رسوم ترامب الجمركية قد تؤدي إلى حرب تجارية عالمية، وأن التكاليف المتزايدة ستنعكس على المستهلكين الأمريكيين، ما سيرفع الأسعار ويهدد بحدوث ركود اقتصادي.
ووصفت إيرينا تسوكرمان، محامي الأمن القومي الأمريكي وعضو مجلس إدارة مركز واشنطن الخارجي لحرب المعلومات، قرار ترامب بـ”وهم الأفضلية”، قائلة: إن الرئيس الأمريكي يريد من خلال قراره أن يوصل رسالة مفادها “القوة، والاستقلال الاقتصادي، وإعادة ضبط التوازن الاستراتيجي”. وذكرت أنه رغم ما أثارته هذه الرسالة من جدل، فإنها ليست سابقة في التاريخ الأمريكي، إلا أن نطاقها وتوقيتها يمثلان تحوّلًا ملحوظًا في نهج البلاد تجاه العلاقات التجارية العالمية.
ما هي نوايا دونالد ترامب الحقيقة بشأن هذا القرار؟
ترى الدكتورة إيرينا تسوكرمان،أن هناك نوايا عدة دفعت الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لاتخاذ هذا القرار، أهمها:
النوايا الاستراتيجية
“من وجهة نظر الإدارة الأمريكية، تتماشى فرضية الرسوم الجمركية مع عقيدة أوسع تُعرف بـ(القومية الاقتصادية)، إنها خطوة تكتيكية تهدف إلى ممارسة الضغط على الخصوم مثل الصين، إيران وروسيا، وأيضًا على الحلفاء كألمانيا وكندا، من خلال استغلال اعتمادهم على الوصول إلى الأسواق الأمريكية. بعبارة أخرى، تُعتبر الرسوم الجمركية شكلًا من أشكال الحرب الاقتصادية يمكن استخدامها كعقاب أو كحافز في آنٍ واحد”، وفق تسوكرمان.
وفيما يتعلق بالفائدة التي تعود على الولايات المتحدة من هذا القرار، تقول إيرينا تسوكرمان، إنه من الناحية النظرية، تستفيد واشنطن من خلال تقليص العجز التجاري، وتشجيع عودة التصنيع المحلي، وتقليل نقاط الضعف الاستراتيجية المرتبطة بسلاسل التوريد الأجنبية وصناعات ضرورية للأمن القومي. لذا، يُقدَّم رفع الرسوم ليس فقط كضرورة اقتصادية، بل كحق سيادي للدفاع عن البنية التحتية الحيوية”.
وتشير إلى أن الرسوم الجمركية لم تعد مجرد أداة مالية، بل تحولت إلى أداة جيوسياسية. من خلال “تسليح التجارة”، وتحاول الإدارة الأمريكية إعادة تشكيل النظام الاقتصادي الدولي بما يتماشى مع الأولويات الأمريكية، مما يُوجّه رسالة إلى الخصوم والحلفاء على حد سواء بأن عهد التجارة الحرة غير المتكافئة قد انتهى.
الأهداف الحقيقية
تقول عضو مجلس إدارة مركز واشنطن الخارجي لحرب المعلومات، إيرينا تسوكرمان، إنه “رغم هذه المبررات، فإنه من غير المرجح أن تحقق السياسة الجمركية بهذا الاتساع أهدافها المُعلنة. فالدول التي تُستهدف بالرسوم لا تظل ساكنة؛ بل ترد بالمثل، وتعزز شراكات تجارية جديدة، وتسعى لتقليل اعتمادها على السوق الأمريكية”.
وأشارت إلى أنه على سبيل المثال، عندما فُرضت رسوم جمركية على السلع الصينية خلال إدارة ترامب الأولى، ردت بكين بفرض رسوم مماثلة على صادرات أمريكية رئيسية مثل فول الصويا. وتعرض المزارعون الأمريكيون لخسائر فادحة، ما اضطر الحكومة لتقديم دعم مالي بمليارات الدولارات، مما ألغى فعليًا أي مكاسب اقتصادية كانت متوقعة.
وبجانب الافتراض الأول، فإن الرسوم الجمركية تشكل ضرائب خفية على المستهلكين والشركات الأمريكية. فأسعار السلع المستوردة ترتفع، وسلاسل التوريد تتعطل، وتزداد الضغوط التضخمية. أما الشركات الصغيرة، التي تعاني أصلًا من ارتفاع تكاليف التشغيل، فلا يمكنها امتصاص هذه التكاليف بسهولة، مما يدفعها لتحميل المستهلكين هذه الأعباء.
أما الأبعاد القانونية والدبلوماسية، فلا يمكن تجاهلها. إذ يناقض القرار الأمريكي مع الاتفاقيات والمنظمات التجارية متعددة الأطراف مثل منظمة التجارة العالمية، والتي وُجدت لضمان تكافؤ الفرص. وتجاوز هذه الأطر أو تجاهلها قد يُلحِق ضررًا طويل الأمد بمصداقية الولايات المتحدة ودورها القيادي في المؤسسات الدولية. بل إن الحلفاء قد يرون في الرسوم الجمركية الواسعة نوعًا من الابتزاز الاقتصادي بدلًا من كونها وسيلة تفاوض، مما يؤدي إلى “عزلة دبلوماسية بدلًا من التعاون”، حسب ما قالته تسوكرمان.
ومن الممكن أن يؤدي هذا القرار إلى عزل الاقتصاد الأمريكي عن سلاسل التوريد العالمية، فمن خلال الانسحاب من الشراكات التجارية ومضايقة الحلفاء، تُضعف الولايات المتحدة موقفها التفاوضي المستقبلي وتُقوّض قوتها الناعمة التي طالما اعتمدت على الأسواق المفتوحة والاستقرار الدبلوماسي.
في التحليل النهائي، ترى عضو مجلس إدارة مركز واشنطن الخارجي لحرب المعلومات، إيرينا تسوكرمان، أن الرسوم الجمركية قد تكون أداة ضغط، لكنها إذا استُخدمت بشكل عشوائي، تصبح أداة فظة. وبالنسبة لقوة عظمى تعتمد في نفوذها على الصورة بقدر ما تعتمد على الأداء، فإن تكلفة الظهور بمظهر القوة الاقتصادية دون وضوح استراتيجي قد تتجاوز بكثير أية مكاسب مؤقتة.
- للمزيد : تابع العربي للعدل والمساواة، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فسبوك وتويتر .